يُمكن أن يكون بيتر زكريا أول مهاجر "سوريّ" إلى الولايات المتحدة، وبالطبع هو سوريّ الجنسية، وُلد في دمشق عام 1814، وذهب إلى كاليفورنيا في فترة حمى الذهب عام 1852 واستقر في ساكرامنتو، حيث تزوج وعاش إلى حين وفاته في سبتمبر 1878. وقبل شهر من وفاته، وصلت أول عائلة سورية إلى نيويورك، لكنهم لم يستقروا في نيويورك، بل ذهبوا إلى تينيسي. وخلال السّنوات القادمة، وصلت المئات من العائلات إلى نيويورك وأسست أول مجتمع ناطق باللغة العربية في الولايات المتحدة. ومعظم الذين التحقوا بهم كانوا من لبنان الحالي، لكن جاء الكثير من دمشق ومناطق أخرى من سوريا الحالية، بالإضافة إلى مصر وفلسطين.
كانت الرّحلة من بيروت إلى نيويورك قاسية، بسبب السّفر في البحر لمدة ثلاثة أسابيع في ظل ظروف مناخية صعبة، والطعام الذي لا يؤكل، وتفشي الأمراض. لذلك وصل السّوريون منهكين ومتسخين وخائفين، وفي بعض الأحيان مصابين بالأمراض. فسمع أغلبهم قصصًا عن مواطنين عادوا بعد مرورهم بجزيرة إليس. فيمكن رفض مرورهم بسبب عدم حوزتهم على مال أو وظيفة محتملة أو عدم امتلاكهم لصديق أو أقرباء في الولايات المتحدة الأميركية. وإذا كانوا يعانون من "مرض كريه" مثل التراخوما، يُرفض مرورهم أيضًا. وإذا كانوا عمال متعاقدين لصاحب عمل، يُرفضون ويتم اعتقال أصحاب العمل المشتبه بهم. اعتبر الكثير من الناس أنّ السوريين "غير مرغوب بهم"، لذلك طُبقت هذه القيود بشكل تعسفيّ.
قصد رجال الأعمال السّوريين الميناء وأودعوا مالًا لضمان عدم معاملة المهاجرين "كعبء على الدولة". وعلى الرغم من هذه العقبات، سُمح للأغلبية بالمرور، ووصلوا إلى باتيري، التي تبعد مسافة خطوات عن شارع واشنطن، حيث استقر المواطنون. لا شك أنهم صُدموا بالمشهد في شارع واشنطن، فقد سمعوا مجموعة من اللغات الأيرلندية والإيطالية والألمانية والاسكندنافية من الصّالونات والإسطبلات والمنازل الداخلية والمسابك. وعمل معظم جيرانهم على أرصفة نهر الهدسون أشغالًا قاسية والتي تبعد مسافة شارع نحو الغرب. أمّا معمل بابيت للصّابون الضخم فقد استحوذ على مساحة شارع من القسم الغربي للحي. لكن من ناحية الشرق، تذكروا معالم وطنهم بسبب تحدث الناس هناك للغة العربية، ووجود الإشارات والقوائم العربية على واجهة المحلات، وانتشار بيع الصّحف والكتب العربية في المستوطنة. وباعت المحلات السّورية بضائع شرق أوسطية، أو عرضت بقالة وفواكه ودخان لمواطنيها. حتّى أنه وُجد كهنة يتحدثون العربية ووانتشرت المصليات لكل طائفة دينية. كان شارع واشنطن "سوريا الصّغيرة" في مدينة نيويورك.